لا تقل أنك تعرف الآخر تمام المعرفة، فقد يفاجئك بماضيه المفقود.
![]() |
نوال تبحث |
قصة قل لي كيف أنجو منك
تتواجد زينب في سرداب البيت لتقوم بتنظيفه وترتيبه وتزيل الغبار عنه، وهي تمسح الرفوف وقعت عيناها على مذكرة بلون أخضر مغطاة بالكامل بالغبار، نفضتها وانقشع لها عنوانها "هذه أنا زينب" يا إلهي هذا اسم والدتي !
لم أتخيل للحظة في حياتي أن يكون لأمي ذكريات لتكتبها لأنها شخصية غامضة دائمة السكوت، هذا كنز عظيم، وجدت كرسي بجانب الباب، جلست وفتحت القرطاسية وباشرت بالقراءة ، هذه أنا التي يقولون عنها مدللة أبيها،
لكن لا يعلمون بأنه شخص قاس الرحمة لا تعرف طريقا إلى قلبه، لقد سبب لي كثيرا من المعاناة، لقد توفيت والدتي عند ولادتي، لم أرَ صورتها لليوم، ترعرعت في بيت مسموم، مملوء بالألغام ، كلما أردت التقدم ، انفجرت بوجهي بوابل من الشتائم والضرب ، وجودي ليس له قيمة ، كنت فقط من أجل خدمة زوجة أبي وبناتها الأربع ، لأقرب المعنى أكثر لقد كنت خادمة القوم.
نوال متسمرة في مكانها كأن أحدا قام بصفعها، هذه القصة التي قرأتها للتو منافية لما قالته والدتها لهم ، بأنها فقدت عائلتها بحادث سيارة في منعرج جبلي خطير فماتوا جميعا إلا هي كانت الناجية الوحيدة.
الصفحة الثانية: الشخص المنكسر لا يعود كما كان أبدا.
![]() |
نوال تقرأ بحزن |
قصة قل لي كيف أنجو منك - مذكرات زينب
أتذكر جيدا ذلك اليوم المشؤوم ، ذلك اليوم الذي حفر في ذاكرتي بكل قسوة، حاولت أن أنساه أن أتجاوزه لكن لا مفر من ذلك الختم منكود ، ترك بي بصمة عار تلاحقني للآن ، كانت تلك الليلة تشبه أفلام الرعب هطول الأمطار شديد ليل دامس ، سكون تام خطوات أقدامه أسمعها للآن صرير الباب كلما صغيت له أتكور في مكاني وتنتابني نوبة رعب جامحة، تلك البقعة الحمراء على فراشي هي الحد الفاصل بيني وبين رغبتي في الإستمرار في هذه الحياة.
الكل يرى ما أكتبه لغزا ويحاول جاهدا أن يحل شفرة هذه الكلمات المبعثرة، يباغتني شريط تلك الليلة بدون رحمة ليتربص بي في كل مرة أحاول أن أحط رأسي على وسادتي وأنام بكل راحة لكن هيهات، تعود تلك اللقطات بحذافيرها، تلك اليد العفنة كيف داعبتني بكل عنفوان ، القبلات الحارقة التي حفرت في جلدي ، كيف تم إسكاتي بشريط لاصق على فمي ، لكي لا أصرخ ، كيف تمدد على جسدي بكل وحشية وهتك عرضي ، ذلك الشيء الوحيد الذي كنت أملكه
وأصارع الحياة لأجله فقدته في لمح البصر، الكل يتساءل من صاحب هذه الفعلة المشينة، إنه ذلك الملجأ المفقود إنه ذلك الذئب البشري والدي.
لا زالت آثار جريمته تلاحقني كلما رأيت نفسي في المرآة ، أغتسل وأغتسل لكن رائحة عفنه أشتمها ولم تفارقني ، بقي سؤال وجودي بذاكرتي" كيف للإنسان أن يهرب من جسده " لم أجد له الإجابة مع الأسف.
![]() |
نوال حزينة |
قصة قل لي كيف أنجو منك - الذاكرة المشؤومة
تكررت هذه الجريمة أكثر من مرة، لم يرحمني عنفني ومارس علي كل الألاعيب النفسية والجسدية لم يرحم ضعفي ، كنت كالأرض المحتلة كل شيء مباح فيها لكن بأداء أكثر شراسة.
لم أجد من ينتشلني من بين يديه ، تركوني بين أحضانه الحارقة أحترق بصمت شديد ومن بعدها غدوت فريسة سهلة على طاولة ذلك الزنديق .
نهضت نوال من ذلك الكرسي رمت بالمذكرة بعيدا ، جلست على الأرض قرفصاء، تنظر كالبلهاء في السقف، بدأت تجهش في البكاء، اختنقت لم تعد تقوى على التنفس ركضت مسرعة للخارج لتستنشق الهواء، صرخت صرخة مدوية، يداها ترتجف ، لم تعد تقوى على الحركة من هول الصدمة ، هل ما قرأته حقيقي، أم من وحي خيال والدتي، لا أظن إنه حقيقة، القسوة التي تكسو عيناها لم تأتي من فراغ، لقد ماتت أمي في تلك الليلة ، الآن عرفت لماذا لم تنجح في أن تكون أما سوية، لأنها لم تعش حنان الأم ، توضح لي الآمر ، كانت تدلل أخي لتجعل منه حملا وديعا، لم تتوقع أن يصبح ذئبا لا يعرف الرأفة، اختارت والدي لتثور على الذكورية، لقد دفنت نفسها في عالم لم تختبره ، هي لم تكتشف من هي بعد، هي ضحية قبل أن تكون الجانية.
اقرأ ايضا قصة أوراق الخريف قصص قصيرة
عادت نوال والتقطت ذلك الدفتر الهالك وخبأته لكي لا يراه أحد، لتعود له مرة أخرى لتغوص بزينب بشكل أعمق.
يتبع ..
بقلم الأنامل المغربية:
" نجوى المهندس "